تأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة في النظام السعودي

يلعب الاقتصاد دورا مهما في حياة الأمم بحيث إنه يسهم في تحريك رؤوس الأموال، ويشجع الأفراد على الاستثمار في مشاريع مختلفة، بغية تحقيق العائد المادي وبالتالي تنمية الادخار الشخصي، من هذا المنطلق حرص المنظم السعودي على كفالة الاطار الملائم لتسجيع الاستثمار سواء الوطني أو الأجنبي، بحيث وفر إطارا نظاميا يتسم بالمرونة والتنوع، وذلك من خلال إصدار نظام الشركات التجارية الذي سطر بين دفتيه العديد من أنواع الشركات بحيث أتاح للمستثمر الاختيار بين الشكل الذي يناسب مشروعه التجاري، ويستجيب لأهداف استثماره المنشود.

لهذا نسلط الضوء اليوم على أحد أهم أنواع الشركات تمتاز بالسهولة في التأسيس، والمرونة في الإدارة، والحكامة في التسيير، يتعلق الأمر بالشركة ذات المسؤولية المحدودة، التي تعد نموذجا متميزا لتأسيس المشاريع التجارية وأيسرها للمستثمرين السعوديين والأجانب، فهي تشكل حلقة مهمة في نمو الاقتصاد، وتحقيق الربح والازدهار.

وإذا كان المنظم السعودي قد عرف الشركة التجارية بأنها “كيان قانوني يؤسس وفقا لأحكام النظام بناء على عقد تأسيس أو نظام أساس يلتزم بمقتضاه شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع يستهدف الربح بتقديم حصة من مال أو عمل أو منهما معا لاقتسام ما ينشأ عن هذا المشروع من ربح أو خسارة”، فإن الشركة ذات المسؤولية المحدودة تعطيك فرصة للتمتع بنفس الامتيازات، لكن هذه المرة يمكنك تأسيس شركتك خارج هذه القاعدة، بحيث يمكن لك أن تؤسس شركتك بشكل منفرد دونما حاجة إلى الاشتراك مع شخص آخر بمسؤولية محدودة لا تتجاوز حصتك في رأس مال الشركة.

لذا، تعالى معنا للتعرف على الشركة ذات المسؤولية المحدودة سواء بشريك بواحد أو أكثر.

تعريف الشركة ذات المسؤولية المحدودة

لقد عرف نظام الشركات السعودي الشركة ذات المسؤولية المحدودة بأنها “شركة يؤسسها شخص واحد أو أكثر من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية، وتعد ذمتها مستقلة عن الذمة المالية لكل شريك فيها أو المالك لها. وتكون الشركة وحدها مسؤولة عن الديون والالتزامات المترتبة عليها أو الناشئة عن نشاطها، ولا يكون المالك لها ولا الشريك فيها مسؤولا عن هذه الديون والالتزامات إلا بقدر حصته في رأس المال”.

يلاحظ على هذا التعريف الذي أورده المنظم السعودي للشركة ذات المسؤولية المحدودة، أنها تمتاز بخصائص تجعلها متفردة في نظاميا مقارنة بباقي الشركات، وتتمثل هذه الخصائص في :

أولا : تحديد عدد الشركاء

تؤسس شركة ذات المسؤولية المحدودة كقاعدة عامة بين شريكين أو أكثر، غير أنه وعلى خلاف باقي الشركات تنفرد هذه الشركة بخاصية معينية تتمثل في الحد الأدنى للشركاء، حيث أجاز المنظم في نظام الشركات أن تؤسس بشخص وحيد، وهذا استثناء حسب المادة 2 من نظام الشركات، والمادة 151، وبالتالي يسوغ أن يأسس الشخص الشركة لوحده، كما يجوز أن يؤسسها مشاركة مع أشخاص أخرين، وهذا فيه مرونة كبيرة، وتخول للشريك الوحيد في الشركة ذات المسؤولية المحدودة صلاحية ممارسة جميع السلطات التي تمارسها الجمعية العامة الشركاء.

ثانيا : المسؤولية المحدودة للشركاء

لا يكون الشريك في شركة ذات المسؤولية المحدودة مسؤولا عن ديون الشركة إلا في حدود الحصة التي قدمها كنصيب في رأس مال الشركة، وبالتالي فالشريك في هذا النوع من الشركات لا يكون معرضا في حالة عجز الشركة عن أداء ديونها لمطالبة الدائنين أو للتنفيذ على أمواله الخاصة كما هو الشأن في شركة التضامن، وهذا يعني أن الذمة المالية للشريك أو المالك تكون مستقلة عن ذمة الشركاء الشخصية، ومطالبات الدائنين تبقى في حدود ذمة الشركة، أي لا تتجاوز قدر الحصة التي قدمها الشريك في رأس المال.

ثالثا : تسمية الشركة

تتخذ شركة ذات المسؤولية المحدودة اسما تجاريا خاصا بها يكون مشتقا من غرضها أو اسما مميزا، أو اسم واحد أو أكثر من الشركاء، يقترن وجوب بما يدل على شكل الشركة، ويجب أن يذكر هذا الاسم إلى جانب بعض البيانات الأخرى في جميع الوثائق التي تصدرها الشركة.

رابعا : استمرار الشركة رغم وفاة الشريك أو خضوعه للتصفية أو الحجر

طبقا للمادة الرابعة والثمانون بعد المائة من نظام الشركات تستمر شركة ذات المسؤولية المحدودة رغم وفاة أحد الشركاء ما لم ينص على عقد تأسيس الشركة على خلاف ذلك، ويكون هذا الاستمرار بين باقي الشركاء وورثة المتوفي، وهو نفس الأمر إذا تم الحجر على أحد الشركاء، أو افتتاح أي إجراء من إجراءات التصفية في مواجهته طبقا لنظام الإفلاس.

كانت هذه أبرز الخصائص التي تصطبغ بها الشركة ذات المسؤولية المحدودة، تجعلها نموذجا متفردا لتأسيس المشاريع التجارية، بحيث يكون الشركاء فيها يتمتعون بأريحية كبيرة من ناحية الذمة المالية، فكيف يتم تأسيس هذه الشركة؟

إجراءات تأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة في السعودية

إن الخطوة الأولى في إطار تأسيس شركة ذات المسؤولية المحدودة هي اتفاق الشركاء على جميع العناصر المتعلقة بالشركة من اسم تجاري وغرض الشركة…، بعد ذلك يتعين كتابة عقد التأسيس، لأن المنظم السعودي أوجب أن يكون لكل شركة عقد تأسيس يتضمن الأحكام والشروط والبيانات التي يتطلبها النظام، والكتابة هنا شرط لانعقاد الشركة، وكذلك لإثبات وجودها، وما دمنا نتحدث عن شركة ذات المسؤولية المحدودة، فقد حدد نظام الشركات هذه البيانات في ؛

أسماء الشركاء وبياناتهم الشخصية، بالإضافة إلى اسم الشركة وغرضها ومدتها، ومركزها الرئيسي، فضلا على مبلغ رأس المال وإقرار الشركاء بالوفاء بقيمة الحصص التي قدموها، وكيفية إدارة الشركة…، وغيرها من المعطيات التي تنظم العلاقات داخل الشركة سواء بين الشركة والشركاء، أو بين الشركاء أنفسهم، أو بين الشركة والغير.

واشترط المنظم السعودي أن يكون عقد تأسيس الشركة مكتوبا باللغة العربية مع إمكانية إقرانه بترجمة إلى لغة أخرى، وهنا نشير إلى أن وزارة التجارة تضع نماذج استرشادية لعقود تأسيس الشركات وانظمتها الأساسية في موقها الإلكتروني.

وتلي هذه الخطوة، تقديم طلب تأسيس الشركة إلى السجل التجاري بهدف قيدها، يكون هذا الطلب مرفقا بعقد التأسيس أو النظام الأساس والبيانات والوثائق اللازمة لتأسيس شركة ذات المسؤولية المحدودة، بالإضافة إلى إقرار من المؤسسين باحترام بجميع متطلبات النظام، فضلا عن بيان معد من مقيم معتمد أو أكثر يبين فيه القيمة العادلة للحصص العينية إن وجدت، وإقرار من باقي الشركاء بالموافقة على المقابل المحدد.

يبت السجل التجاري في الطلب، ويقوم بشهر ما يلزم من بيانات أو وثائق وفقا لأحكام النظام واللوائح، ويتاح طبعا للغير إمكانية الاطلاع على هذه البيانات، وتكتسب شركة ذات المسؤولية المحدودة بعد قيدها في السجل التجاري الشخصية المعنوية، وبالتالي تنتقل جميع العقود والأعمال إلى ذمة الشركة وتتحمل جميع المصروفات التي تم إنفاقها من طرف الشركاء في سبيل تأسيسها.

وكل هذه الإجراءات أصبحت سهلة للغاية وبضغطة واحدة من خلال الولوج إلى بوابة الخدمات الالكترونية من خلال موقع وزارة التجارة، وإتباع الخطوات وحينها تكون أسست شركتك في بسهولة كمستثمر في المملكة العربية السعودية.

وفي سبيل تأسيس الشركة ذات المسؤولية المحدودة، يعد عنصر تقديم الشريك لحصته من الأهمية بمكان، لأنه بواسطة هذه الحصص يتشكل لنا رأس مال الشركة، وفي هذا الإطار خص المنظم السعودي تقديم الحصة بعناية خاصة، فالشريك ضمن هذا النوع من الشركاء يجوز له أن يقدم حصة نقدية  أو حصة عينة أو هما معا، وتكون الحصص النقدية والعينة وحدها رأس مال الشركة.

فإذا كانت الحصة التي قدمها الشريك في رأس مال شركة ذات المسؤولية المحدودة حق ملكية أو أي حق عيني آخر، فإنه يكون مسؤولا عن ضمان تلك الحصة في حالة هلاكها أو استحقاقها من طرف الغير أو وجود عيب  فيها، أما إذا قدم تلك الحصة على سبيل الانتفاع فقط، هنا تطبق أحكام عقد الايجار، وَيُعَد كل شريك مدين للشركة بالحصة التي تعهد بتقديمها في رأس مالها، وفي حالة التأخر في تنفيذ تعهده يتم إشعاره من طرف الشركة بضرورة تقديم الحصة.

هذا بخصوص تأسيس الشركة، فماذا عن إدارة هذه الشركة؟

إدارة شركة ذات المسؤولية المحدودة

بالرجوع إلى نظام الشركات السعودي، يلاحظ أن المنظم في إطار تنظيمه لكيفية إدارة شركة ذات المسؤولية المحدودة، قد اتسم بمرونة قل نظيرها حيث خول إمكانية تعيين مدير للشركة أو أكثر سواء من بين الشركاء أو من الغير، ويتم تعين هذا المدين في العقد التأسيس للشركة أو في عقد لاحق يكون مستقل عن عقد التأسيس، ويكون هذا التعين لمدة محددة أو غير محددة، وقد سمح المنظم للشركاء بتشكيل مجلس مديرين إذا تعددوا.

ويتمتع المدير أو مجلس مديرين بصلاحيات واسعة في إطار تحقيق غرض شركة ذات المسؤولية المحدودة، حيث يمثلون الشركة أمام القضاء وهيئات التحكيم والغير، وتلتزم الشركة إذاك بجميع أعمال المدير التي تدخل ضمن غرض الشركة، ولا يجوز الاحتجاج في مواجهة الغير بأي قرار سواء كان بعزل المدير او بتقييد سلطاته، إلا إذا كانت مقيدة في السجل التجاري.

وقد أوجد المنظم السعودي مجموعة من الآليات المساهمة في تسيير شركة ذات المسؤولية المحدودة في إطار ضمان الحكامة والتسيير الجيد للشركة، تأتي في صدارتها الجمعية العامة للشركاء، التي تلعب أدوار متميزة داخل جسم الشركة، وتعد الجمعية العامة بمثابة برلمان الشركة، حيث تتكون من جميع الشركاء، وهي مصدر السلطات في الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وهي الجهاز الذي يتخذ القرارات الأساسية ويحدد سياسة الشركة المعلقة بالتسيير.

وكما هو الحال فلكل بداية نهاية، والشركة بدورها لها حياة، تبدأ بالتأسيس وتنقضي أيضا، وهنا سطر المنظم السعودي في نظام الشركات مجموعة من أسباب انقضاء شركة ذات المسؤولية المحدودة، لعل أبرزها هي انقضاء مدة الشركة، غير أنه يجوز الاتفاق بين الشركاء على تمديد أجل الشركة، وقد يكون هذا التمديد ضمنيا في حالة استمرار الشركة في أداء أعمالها.

*  وقد منع المنظم السعودي من أن تكون حصة الشريك عملا مقابل نسبة من الرباح في شركة المساهمة والمساهمة المبسطة، وبمفهوم المخالفة يكون ان تكون حصة الشريك من هذا النوع في شركة ذات المسؤولية المحدودة.