إعادة التنظيم المالي كحل من حلول الإفلاس
تعتبر الأنشطة التجارية عصب الاقتصاد في أي دولة، ومن تم نجد أن مختلف دول المعمور حكومة وأجهزة إرادية تعمل بكل طاقاتها بهدف تيسير سبيل تعزيز الاستثمار وجذب رؤوس الأموال سواء الأجنبية أو الوطنية، في سبيل الدفع بعجلة الاقتصاد نحو الأمام، وخلق فرص العمل.
والمملكة العربية السعودية كغيرها من البلدان لم تشذ عن هذه القاعدة، بحيث وفرت مناخا استثماريا متميزا، فضلا عن إيجاد ترسانة نظامية متطورة تستجيب لحاجيات التجار بمختلف أصنافهم، وتيسر تداول الأموال وحمايتها.
ومعلوم أن التاجر في ممارسته لتجارته لابد أن يتعامل مع شركاء آخرين بهدف الوصول إلى العملاء والمستهلكين، قد يكون هؤلاء الشركاء مصرفا أو مزودون بالسلع والخدمات …، وبالتالي سيضطر هذا التاجر إلى إبرام صفقات وعقود للتوريدات والخدمات، في سبيل إنجاح نشاطه التجاري، وتحقيق الربح الذي يصبو إليه.
غير أن التاجر أو الشركات التجارية لا تسيير أمورها التجارية بسلاسة دائما، ولا يكون تحقيق الربح دائما حليف التاجر، لان النشاط التجاري يدور بين الربح والخسارة، فعديدة هي الشركات او المؤسسات التجارية التي تعترضها صعوبات نظامية أو اقتصادية أو اجتماعية، تجعل قدرتها على الأداء بشكل سليم معرضة لاضطرابات من شأنها أن تخل باستمرارية نشاطها التجاري.
من هذا المنطلق ورغبة من المنظم السعودي في ضمان بقاء هذه الشركات التجارية في النسيج الاقتصادي وإسهامها في تحريك الاقتصاد والحفاظ على اليد العاملة، أوجد مجموعة من النصوص النظامية التي تمنح للتجار فرصة ثانية لكي يستعيد نشاطهم عافيته، ومن يعتبر إعادة التنظيم المالي من أبرز هذه الإجراءات التي جاء بها نظام الإفلاس الجديد.
حيث عرفته المادة الأولى من نظام الإفلاس لسنة 1439 بأنه “إجراء يهدف إلى تيسير توصل المدين إلى اتفاق مع دائنينه على إعادة التنظيم المالي لنشاطه تحت إشراف أمين إعادة التنظيم المالي”.
فكيف يتحقق ذلك؟ وما هي الشركات التي يمكنها اللجوء إلى ذلك؟
من أجل الوقوف على الإجراءات التي يتعين اتباعها في سبيل تطبيق إعادة التنظيم المالي كحل من الحلول الواردة في نظام الإفلاس، سنقوم بتتبع المراحل التي يمر منها هذا الإجراء، انطلاقا من مرحلة تقديم الطلب، مرورا بمرحلة افتتاح الإجراء…، وانتهاء بمرحلة إقفال الإجراء.
- المرحلة الأولى : تقديم طلب إعادة التنظيم المالي
لقد سمح المنظم السعودي بمقتضى المادة الثانية والأربعون من نظام الإفلاس للمدين والدائن أو للجهة المختصة، بتقديم طلب إلى المحكمة بهدف افتتاح إجراءات إعادة التنظيم المالي، بعد ذلك تبلغ المحكمة المدين بموعد الجلسة المحدد للنظر في طلبه، وذلك في ظرف 5 أيام من تاريخ تقديم هذا الطلب إذا لم يكن المدين هو من وضعه في المحكمة.
ومما يجب لفت الانتباه إليه، كون المنظم السعودي قد عدد الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى إجراء إعادة التنظيم المالي، حيث ربط ذلك بكون المدين من المرجح أن يعاني من اضطرابات مالية يخشى معها تعثره، أو قد يكون متعثرا فعليا، أو إذا كان مفلسا.
ورغبة من المنظم السعودي في ضمان فعالية هذه الإجراءات فقد منع بشكل صريح إمكانية طلب افتتاح إعادة التنظيم المالي إذا كان سبق للمدين أن مر بهذا الإجراء أو خضع له، أو استفاد من إعادة التنظيم الخاصة بصغار التجار، غير أن هذا المنع ليس مطلقا، بل علقه المنظم على ألا يكون ذلك في حدود السنة (12 شهرا) السابقة لطلب هذا الافتتاح.
- المرحلة الثانية : افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي
بعد توصل المحكمة التجارية بطلب افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي، وتأكدها من أن الطلب مقدم من طرف ذي صفة، وأن المدين لم يسبق له الخضوع لهذا الإجراء، بمعنى أن المحكمة تتبين توافر الشروط الإجرائية والموضوعية المتعلقة بالطلب، تصدر المحكمة حكما بافتتاح الإجراء وتعين أمينا للإشراف عليه، يقوم هذا الأخير خلال 7 ايام من تاريخ تعيينه بالإعلان عن حكم المحكمة التجارية الذي صدر، ويدعو بناء على ذلك الدائنين إلى تقديم مطالباتهم خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر (90 يوما) من تاريخ الإعلان.
وفي هذا الإطار سمح المنظم السعودي للمدين بالاعتراض على طلب افتتاح الإجراء المقدم من غيره في جلسة النظر فيه، وقد أحسن المنظم السعودي ذلك بالنظر إلى أن بعض الدائنين قد يلجؤون إلى تقديم مثل هذه الطلبات لزعزعة ثقة باقي المتعاملين مع التاجر وحملهم على الاعتقاد بأن التاجر يعاني من اضطرابات قد تؤدي به إلى تعثر مشروعه التجاري، وفي هذا خطر على مستقبل تجارته، وبالتالي تم منح المدين هذه المكنة(الإمكانية) للدفاع عن مصالحه، وتبقى العقود التي يكون المدين طرفا فيها قائمة بصرف النظر عن افتتاح إجراء إعادة التنظيم المالي من عدمه.
يسهر الأمين على تبليغ الدائنين المعلومين لديه بحكم المحكمة، ويدعوهم إلى بسط مطالباتهم خلال مدة لا تزيد عن 90 يوما من تاريخ التبليغ، أي التصريح بالديون المحتملة لديهم في ذمة المدين، كما يودع نسخة من الحكم في سجل الإفلاس، بهدف إعلام المتعاملين مع التاجر بأنه تم تقديم طلب فتح إعادة التنظيم المالي في حقه، فيكونوا على بينة من أمرهم في التعاقد معه.
وفي هذا الإطار سمح المنظم السعودي للمحكمة بأن تؤجل الجلسة لمدة لا تزيد عن 21 يوما وذلك استنادا لأحد الاسباب التالية ؛ إما لتقديم معلومات أو وثائق إضافية ستعزز الطلب، أو بهدف تصنيف الدائنين، لأن التاجر في تعامله مع الدائنين قد يقدم ضمانات أو كفالات، وبالتالي يكون هناك اختلاف بين الدائنين، واختلاف نوع الدين وطبيعته، يترتب عنه اختلاف في مراتب استيفاء الدين كذلك.
- المرحلة الثالثة : اعتماد المقترح المتعلق بإعادة التنظيم المالي
في هذه المرحلة من عُمْر إجراء إعادة التنظيم المالي يسلم المدين للأمين قائمة تفصيلية بالعقود السارية أي العقود الجارية التي ما يزال المدين مرتبطا بها مع عملائه أو مورديه، وقد تم السماح لأمين الإجراء بإصدار قرار إنهاء أي عقد خلال مدة أقصاها ستون يوما أو من افتتاح الإجراء.
وتجدر الإشارة، إلى أن الدائنون يقدمون مطالباتهم إلى الأمين خلال مدة التسعين يوما وفق النموذج المعتمد من لجنة الإفلاس، بعد ذلك يعد الأمين قائمة جرد لأصول التفليسية ويزود المحكمة بنسخة منها.
يقوم الأمين بعد ذلك بإعداد قائمة بمطالبات الدائنين ويقدمها إلى المحكمة لاعتمادها خلال 14 يوما من تاريخ انتهاء المدة المحددة لتقديم المطالبات، ويُمكن للدائنين الاطلاع عليها، وقد أوجب المنظم على الأمين أثناء تقديمه لقائمة مطالبات الدائنين إلى المحكمة، بأن يفصح عن علاقته بأي من الدائنين، علاوة على بيان سبب التوصية بقبول المطالبة أو رفضها أو عرضها على خبير (المادة 18 من لائحة المعلومات) ، ونسجل هنا أنه يتم تشكيل لجنة الدائنين بقرار من المحكمة بناء على طلب الأمين أو الدائنين الذين تمثل مطالباتهم 50 في المائة من إجمالي قيمة الديون.
وعلى ضوء ذلك، يبلغ المدين بعد موافقة الأمين، الدائنين الذين قَبِلت المحكمة مطالباتهم والملاك الذين تتأثر حقوقهم بالمقترح بموعد التصويت عليه قبل حلوله ب 21 يوما على الأقل، يعلن المدين عن موعد التصويت على المقترح، بعد ذلك يقوم الدائنون والملاك بالتصويت على المقترح إما بالموافقة أو الرفض، ويعمل الأمين على إشعار أو تبليغ المدين والدائنين والملاك بنتيجة التصويت، كما يقوم بإيداعها لدى المحكمة مرفقة بمجموعة من الوثائق، من أبرزها ما يثبت تبليغ الدائنين والملاك بتاريخ التصويت، ونسخة من المقترح المصوت عليه، زيادة على محضر التصويت، وأخيرا ما يثبت أن الدائنين والملاك قد توصلوا بنتيجة التصويت.
وعطفا على ما سبق، يجب على الأمين أو المدين أن يطلب من المحكمة التصديق على المقترح الذي تم التصويت عليه، وعليه تبليغ الدائنين قبل ذلك بالموعد المحدد لتقديم المقترح للمحكمة قصد التصديق عليه، ويرفق الأمين بالتبليغ نسخة من المقترح أو ما يفيد إتاحة الاطلاع عليه.
يعمد الأمين بعد ذلك بالإعلان عن التصديق على المقترح المقدم إلى المحكمة وذلك خلال 10 أيام من تاريخ التصديق عليه، ويودع نسخة من حكم المحكمة بالتصديق على المقترح في سجل الإفلاس خلال 10 أيام من تاريخ التصديق عليه، وهو السجل الذي تم إحداثه خصيصا لشهر أحكام فتح أي إجراء من إجراءات الإفلاس الذي يعد إعادة التنظيم المالي من بينها.
- المرحلة الرابعة : تنفيذ إجراء إعادة التنظيم المالي
بعد أن تقوم المحكمة بحصر المقترحات والتصويت عليها، ينفذ المدين الخطة ويلتزم بها الأطراف الواردون فيها من ملاك ودائنون، ويحق للأمين أن يطلب من المحكمة غل يد المدين ومنعه من الإدارة، خاصة إذا ارتكب المدين أو أحد المسؤولين في إدارته خلال فترة الإجراء تصرفا ينطوي على إهمال أو سوء إدارة، أو عدم الحيطة، أو مجرد عدم التعاون الايجابي مع الأمين، أو ارتكب أيا من الأفعال المجرمة في النظام التي تجعل المدين أو المسير غير أَهْلٍ للإدارة أو التسيير أو التصرف.
ويجب على المدين في إطار المراقبة المستمرة لمدى تنفيذ الخطة تقديم تقريرا في نهاية كل 3 أشهر على سير تنفيذ الخطة للأمين، باعتباره الساهر على حسن تنفيذها، على أن يراجع الأمن ذلك التقرير ويقدمه إلى المحكمة والدائنين خلال 30 يوما من تَسَلمِهِ، من أجل التأكد من صدقية التزام المدين بتنفيذ البنود الواردة في اتفاق إعادة التنظيم المالي، وهذا التقرير هو من يُظهر حسن نوايا المدين ومدى التزامه، وحرصا من المنظم السعودي على أموال المدين وصيانة لحقوق الدائنين، أوجب على المدين الحصول على موافقة الأمين المكتوبة عند قيامه خلال المدة من التصديق على المقترح إلى انهاء الإجراء بأي من الأعمال الواردة في المادة 85 من نظام الإفلاس.
- المرحلة الخامسة : إنهاء أو إقفال إجراء إعادة التنظيم المالي
في نهاية المرحلة الإجرائية، يبلغ الأمين الدائنين قبل التقدم بطلب إنهاء الإجراء اكتمال تنفيذ الخطة، فضلا عن أن المحكمة تقضي بإنهاء الإجراء عند تحقق إحدى الحالات الواردة في المادة 87 من نظام الإفلاس، ومن بين هذه الحالات ؛ تلك التي يطالب فيها المدين بإنهاء الإجراء، لأن شروط افتتاح الإجراء لم تعد متوفرة، أو تلك الحالة التي يتم فيها تنفيذ الخطة ويتقدم الأمين بطلب انتهاء مهامه، أو في الحالة التي ترفض فيها المحكمة التصديق على المقترح …
ويقوم الأمين بإيداع حكم المحكمة بإنهاء الإجراء في سجل الإفلاس، ويقدم للمدين جميع ما بحوزته من أصول المدين وجميع السجلات والمعلومات أو الوثائق الأخرى ذات العلاقة بالإجراء، حصل عليها أو أنشأها خلال عمله أمينا.
وهذا الإنهاء لإجراء إعادة التنظيم المالي قد يكون إيجابيا في الحالة التي ينفذ فيها المدين الالتزامات الواردة في الاتفاق وتستعيد منشأته التجارية عافيتها، ويسدد الخصوم، ويحافظ بشكل غير مباشر على مناصب الشغل.
وقد يكون الإنهاء نتيجة عدم التوفق في ذلك، فيتم المرور إلى مسطرة أخرى من مساطر الإفلاس تكون أكثر خطورة وتأثيرا على المشروع التجاري، ويتعلق الأمر بالتصفية القضائية، التي تعد إجراء يُقْبِرُ الشركة أو المؤسسة التجارية.